الوضع الليلي
Image
  • 21/10/2025
الهروب الكبير من سجلات غرف الصناعة التقليدية بسبب التغطية الصحية والدعم الاجتماعي

الهروب الكبير من سجلات غرف الصناعة التقليدية بسبب التغطية الصحية والدعم الاجتماعي

بوشتى الركراكي : يعرف قطاع الصناعة التقليدية بالمغرب نزيفاً غير مسبوق، حيث تقدم الآلاف من الصناع التقليديين، ما بين سنتي 2023 و2025، بطلبات رسمية لشطب أسمائهم من سجلات غرف الصناعة التقليدية. والسبب ليس تراجع الحرف أو كساد الأسواق، بل مفارقة اجتماعية غريبة: الحرفي المغربي أصبح مضطراً للتخلي عن صفته المهنية من أجل أن يستفيد من برامج الدعم الاجتماعي!

فبعد إطلاق نظام الدعم المباشر وبرامج الحماية الاجتماعية، وجد كثير من الصناع أنفسهم أمام خيارين لا ثالث لهما: إما البقاء في سجلات الغرف وتحمل أعباء التصريحات والضرائب دون مقابل اجتماعي واضح، أو الانسحاب من القطاع لولوج بوابة “أموال التضامن” والاستفادة من التغطية الصحية المجانية ومنح الدعم الأسري.

هذا الواقع المؤلم يطرح أكثر من سؤال حول نجاعة السياسة الاجتماعية لوزارة الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامن. كيف لوزارة تحمل في اسمها “الاقتصاد الاجتماعي” أن تعجز عن توفير خدمات اجتماعية حقيقية لمنتسبيها؟ أين هي صناديق الدعم، والتغطية الصحية، والتقاعد، والتكوين المستمر الذي وُعد به الصناع منذ سنوات؟

فهل تملك  الوزارة أرقاماً دقيقة و تواكب هذا “الهروب الجماعي الكبير” الذي أصبح مؤشراً على فشل منظومة تأطير الحرفيين؟

العديد من الصناع الذين أفنوا عمرهم في المهنة أصبحوا اليوم “بدون هوية مهنية”، يفضلون الانتماء إلى خانة “العاطلين” على البقاء تحت صفة “صانع تقليدي” لا تضمن لهم لا الدواء ولا الخبز اليومي.هذا دون الحديث او سنلتزم الصمت عن الخوض في اللوائح الانتخابية بوشاح الصناعة التقليدية، فتلك قصة أخرى و أفلام بمخرجين ثلاثيي الأبعاد و الغايات.

إن ما يحدث اليوم ليس مجرد ظاهرة إدارية، بل ناقوس خطر يهدد أحد أهم ركائز الهوية الثقافية والاقتصادية للمغرب. فحين يصبح الانتماء الرسمي للقطاع التقليدي عقوبة اجتماعية، وحين يتحول الدعم الاجتماعي إلى سبب للهروب من التنظيم المهني، فذلك يعني أن هناك خللاً هيكلياً عميقاً في السياسات الموجهة لهذه الفئة.

المطلوب اليوم ليس فقط إحصاء عدد المنسحبين، بل مراجعة شاملة لسياسات الوزارة نحو مقاربة إنسانية وإنمائية حقيقية، تجعل من الصانع التقليدي مواطناً منتجاً ومستفيداً في الوقت نفسه، لا ضحيةً لبرامج اجتماعية تميّز بين المواطنين بدل أن تنصفهم.