الوضع الليلي
Image
  • 24/06/2025
الإدارة المغــربية إلـى أيـن؟؟؟

الإدارة المغــربية إلـى أيـن؟؟؟

  • بعد أعذارهم القديمة من قبيل:الاجتماعات التي لا تنتهي، والتأخر المزمن عن العمل،والغيابات

    بلا حسيب ولا رقيب، جاءت اليوم حجّتهم الجديدة: ما كايناش الكونيكسيون». حجة عصرية بواجهة رقمية،

    ومضمون واحد: شلل تام في الإدارة.

                                                                   --------------------                  

    «إن الهدف الذي يجب أن تسعى إليه كل المؤسسات، هو خدمة المواطن. وبدون قيامها بهذه المهمة، فإنها تبقى عديمة الجدوى، بل لا مبرر لوجودها أصلا... إن تدبير شؤون المواطنين، وخدمة مصالحهم ، مسؤولية وطنية، وأمانة جسيمة، لا تقبل التهاون ولا التأخير... وإذا كان البعض لا يفهم توجه عدد من المواطنين إلى ملكهم من أجل حل مشاكل وقضايا بسيطة، فهذا يعني أن هناك خللا في مكان ما... ولكن هل سيطلب مني المواطنون التدخل لو قامت الإدارة بواجبها ؟».مقتطفات من خطاب جلالة الملك.

    جئت صباح يوم الإثنين 14/04/2025 إلى مكتب الحالة المدنية الذي يسَلم عقود الازدياد، بحي حمرية، القلب النابض لمدينة مكناس. فوجدت أمام المكتب صفا طويلا وعريضا من الناس، كل في مكانه لا يتحرك.

    تقدمت نحو الحارس الخاص وسألته عن السبب، فأجاب:

    «ما كايناش الكونيكسيون.»

    تعجبت وقلت في نفسي:

    هل عقود الازدياد تحـــتاج هي الأخـــرى إلى «الكونيكسيون»؟

    عندما لم تكن هناك هذه الأخيرة، كنا نحصل على عقود الازدياد بسرعة وبدون كل هذا الانتظار.

    فهل جاءت الإنترنت لتُسرّع العمل وتخفف من معاناة الناس، أم لتعطيل مصالحهم؟

    نعم، لقد أصبحت العديد من الإدارات تلجأ إلى حجة «عدم وجود الكونيكسيون»، إما تهاونا وكسلا من بعض موظفيها – إن لم أقل من أغلبهم – أو لأن الاتصال فعلا غير متوفر أحيانا.

    لكن الغريب في الأمر، أنني في مقاولتي المتواضعة، ومنذ أن بدأت أستعمل الإنترنت، لم تنقطع عني إلا إذا تأخرت في أداء واجب الاشتراك الشهري.

    فكيف لإدارات كبيرة، تستقبل يوميا مئات المواطنين، أن تماطلهم بهذه الحجة الواهية؟

    والأدهى من ذلك، أن حتى بعض الأبناك تخبرك بانقطاع «الكونيكسيون» في أكثر ألأيام ازدحامًا، كأيام الإثنين أو نهاية الشهر، وهي الأيام التي يتوافد فيها الناس لأداء أقساطهم الشهرية.

    ومعلوم أن أغلب المغاربة يؤدون ما عليهم في آخر لحظة، إما بسبب ظروف قاهرة أو لضيق ذات اليد.

    لكن عندما تفاجئهم البنوك بانقطاع الخدمة، يُجبرون على التأخر، وفي اليوم الموالي يجدون أنفسهم مضطرين لأداء غرامة التأخير!

    أليس هذا نوعًا من النصب والاحتيال الذي يعاقب عليه القانون؟

    ومع ذلك، يظل المواطن المغربي المغلوب على أمره مضطرًا لأداء هذه الغرامة المفروضة عليه ظلما.

    بل إن بعض الأبناك – حسب أقوال موظفيها – تنقطع عنها «الكونيكسيون» لأيام متتالية في نهاية العديد من اشهر السنة ، مما يسبب ازدحامًا خانقا ومعاناة كبيرة للمرتفقين.

    فهل جاءت الإنترنت للتسريع، أم للتأخير؟ أما عن الاجتماعات، فتلك معضلة أبدية في الإدارات المغربية.

    فكلما سألت عن مدير أو مسؤول إداري، قيل لك إنه في اجتماع، وعليك الانتظار. لكن هذا الانتظار يطول، وقد لا ينتهي. فتضطر للذهاب والعودة مرات عديدة، وربما لا ترى المسؤول أبدا.

    و هنا استحضر مقتطف من الخطاب السامي الذي ألقاه جلالة الملك في افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الأولى من الولاية التشريعية العاشرة حين قال:

    « لقد انتهت الولاية التشريعية الأولى، بعد إقرار دستور 2011، والتي كانت ولاية تأسيسية، لما ميزها من مصادقة على القوانين المتعلقة بإقامة المؤسسات.

    فالمرحلة التي نحن مقبلون عليها أكثر أهمية من سابقاتها، فهي تقتضي الانكباب الجاد على القضايا والانشغالات الحقيقية للمواطنين، والدفع قدما بعمل المرافق الإدارية، وتحسين الخدمات التي تقدمها.

    السيدات والسادة البرلمانيين المحترمين،

    إن الهدف الذي يجب أن تسعى إليه كل المؤسسات ، هو خدمة المواطن. وبدون قيامها بهذه المهمة، فإنها تبقى عديمة الجدوى، بل لا مبرر لوجودها أصلا.

    وقد ارتأيت أن أتوجه إليكم اليوم، ومن خلالكم لكل الهيآت المعنية ، وإلى عموم المواطنين، في موضوع بالغ الأهمية، هو جوهر عمل المؤسسات.

    وأقصد هنا علاقة المواطن بالإدارة ، سواء تعلق الأمر بالمصالح المركزية، والإدارة الترابية، أو بالمجالس المنتخبة، والمصالح الجهوية للقطاعات الوزارية.

    كما أقصد أيضا، مختلف المرافق المعنية بالاستثمار وتشجيع المقاولات، وحتى قضاء الحاجيات البسيطة للمواطن، كيفما كان نوعها.

    فالغاية منها واحدة ، هي تمكين المواطن من قضاء مصالحه، في أحسن الظروف والآجال، وتبسيط المساطر، وتقريب المرافق والخدمات الأساسية منه.

    أما إذا كان من الضروري معالجة كل الملفات، على مستوى الإدارة المركزية بالرباط ، فما جدوى اللامركزية والجهوية، واللاتمركز الإداري، الذي نعمل على ترسيخه، منذ ثمانينيات القرن الماضي.

    إن تدبير شؤون المواطنين، وخدمة مصالحهم ، مسؤولية وطنية، وأمانة جسيمة، لا تقبل التهاون ولا التأخير.

    ولكن مع كامل الأسف ، يلاحظ أن البعض يستغلون التفويض، الذي يمنحه لهم المواطن، لتدبير الشأن العام في إعطاء الأسبقية لقضاء المصالح الشخصية والحزبية، بدل خدمة المصلحة العامة، وذلك لحسابات انتخابية.

    وهم بذلك يتجاهلون بأن المواطن هو الأهم في الانتخابات، وليس المرشح أو الحزب، ويتنكرون لقيم العمل السياسي النبيل.

    فإذا كانوا لا يريدون القيام بعملهم ولا يهتمون بقضاء مصالح المواطنين، سواء على الصعيد المحلي أو الجهوي، وحتى الوطني، فلماذا يتوجهون إذن للعمل السياسي؟

    إن الالتزام الحزبي والسياسي الحقيقي، يجب أن يضع المواطن فوق أي اعتبار، ويقتضي الوفاء بالوعود التي تقدم له، والتفاني في خدمته، وجعلها فوق المصالح الحزبية والشخصية.

    ولأن النجاعة الإدارية معيار لتقدم الأمم، وما دامت علاقة الإدارة بالمواطن لم تتحسن، فإن تصنيف المغرب في هذا الميدان، سيبقى ضمن دول العالم الثالث، إن لم أقل الرابع أو الخامس.

    حضرات أعضاء البرلمان المحترمين،

    يقال كلام كثير بخصوص لقاء المواطنين بملك البلاد، والتماس مساعدته في حل العديد من المشاكل والصعوبات.

    وإذا كان البعض لا يفهم توجه عدد من المواطنين إلى ملكهم من أجل حل مشاكل وقضايا بسيطة، فهذا يعني أن هناك خللا في مكان ما.

    أنا بطبيعة الحال أعتز بالتعامل المباشر مع أبناء شعبي، وبقضاء حاجاتهم البسيطة، وسأظل دائما أقوم بذلك في خدمتهم .

    ولكن هل سيطلب مني المواطنون التدخل لو قامت الإدارة بواجبها ؟

    الأكيد أنهم يلجؤون إلى ذلك بسبب انغلاق الأبواب أمامهم ، أو لتقصير الإدارة في خدمتهم ، أو للتشكي من ظلم أصابهم.» انتهي كلام صاحب الجلالة.

    نعم، لو كانت مصالح المواطن تُقضى على يد موظفين أكفاء، أو كانت أبواب المسؤولين – رؤساء ومديري الإدارات – مفتوحة، لما عاش المواطن كل هذه المعاناة، ولما التجأ إلى الملك أو راسل ديوانه.

    والأغرب من ذلك، أن يأتي المواطن إلى الرباط طالبًا لوثيقة أو لحاجة مستعجلة، فلا يستطيع الحصول عليها، ولا حتى رؤية المسؤول عن الإدارة المعنية. فيعود أدراجه خالي الوفاض، ولو كان قد أتى من أبعد نقطة في جغرافية المملكة.

    أليس هذا احتقارًا ما بعده احتقار لمواطن لم يأتِ إلى العاصمة إلا للضرورة القصوى، وقد تحمل عناء السفر وخسارة مال هو في أمسّ الحاجة إليه، ليعود في النهاية دون قضاء الغرض الذي جاء من أجله؟

    وعندما يشتكي أمره للموظف، يجيبه هذا الأخير: «أنا مجرد موظف، عليك برؤية المدير أو الرئيس.» وعندما يحاول الدخول إلى أحدهما، تقول له الكاتبة الخاصة: «إنه في اجتماع، عليك الانتظار.» وبعض الكاتبات لا يحاولن حتى الاتصال بمديرهن أو إخباره بوجود مواطن محتاج لرؤيته.

    وهكذا، يضيع وقتك وحاجتك، وتعود وقد خسرت مالك وأتعبت نفسك دون فائدة تُذكر.

    فأين هــــي الجـــهوية؟ وأين هي الجهوية المتقدمة؟ أغلب الإدارات ما زالت متمركزة في الرباط أو الدار البيضاء، وملحقاتها في الجهات والمدن الأخرى لا تُسمن ولا تُغني من جوع – هذا إن وُجدت لها ملحقات أصلاً. ففي الغالب، هناك إدارات ممركزة بالعاصمة فقط، وعلى المواطن الذهاب إليها، رغم علمه المسبق أنه سيتدحرج بين موظفيها دون أن يصل إلى مسؤوليها.

    وهذا رغم أن الإدارة – بكل موظفيها ورؤسائها – ما خُلقت إلا لتلبية حاجات المواطنين. لكن، للأسف، تغوّلت إداراتنا، وأصبحت تعتقد أنها وُجدت ليخدمها المواطن، وليس العكس. بل وأصبح لها حرّاس خاصون، قادرون على إبعاد كل من لا تسمح الإدارة باقترابه منها. وإن اقترب، فالحرس هو من يقوم مقام موظفي الإدارة، يجيب عن أسئلة المواطنين، ويقدم لهم الأوراق التي جاؤوا من أجلها، دون أن يُسمح لهم بولوج الإدارة. إذ أصبحت هذه الأخيرة حكرًا على مسؤوليها وموظفيها والعاملين بها.

    لكن، لمن يعمل هؤلاء؟ سؤال حيّرني! قلتُ ربما لصالحهم الشخصي، أو للمسؤولين الذين فوقهم، أو لتلميع الصورة أمام الخارج. نعم، ربما هذا هو الصحيح. فكل بنايات الإدارات رائعة، مزينة بالأشجار والنباتات، ذات أسوار عالية، وأبواب حديدية قوية، كي لا يدخلها إلا من أراده أصحابها.

    فالإدارات، رغم كونها عمومية، أصبحت ملكًا لرؤسائها. فيقول لك المسؤول: «اخرج من إدارتي.» وحتى مدير المدرسة العمومية، عندما يختلف مع مواطن، يقول له: «اخرج من مدرستي.» وهكذا، تصبح المؤسسات العمومية، التي هي في الأصل ملكًا لعموم المواطنين، ملكًا لرؤسائها، والمواطن غريب عنها، وكأنها لم تُنشأ من أجله. فعودوا الى رشدكم ايها المسؤولون.