قـــرارات الـمحـــاكم الإدارية و شجـــاعة امتـثال النخـب السيــاسية

بوشتى الركراكي: بداية لابد من التذكير بأن الاعتيادي و العادي في دولة الحق والقانون، هو وجوب ترسيخ و توطين دور و قرارات المحاكم الإدارية كضامنة للتوازن بين السلطات، وحماية الحقوق والحريات، والحد من شطط و تعسف الإدارة مما يساهم في التخليق الفعلي للحياة المجتمعية. فالمحكمة الإدارية، بصفتها سلطة مستقلة، لا تصدر أحكامها بناء على الأهواء أو خدمة لحسابات سياسية أو ادارية، بل وفقا للقانون والمبادئ الدســتورية التي تضمن المساواة والعدالة بين أطراف النزاع القانوني.
لكن ما يجعل هذه الأحكام ذات أثر واضح و فعلي و ملموس في الحياة العامة ليس فقط صدورها، بل احترامها و المساهمة في تنفيذها. وحينما يتعلق الأمـــر بالمســــؤولين السياسيين ( المنتخبين تحديدا ) هنا علينا ان نتوقف قليلا و نطرح سؤالا محورياً حول مدى تحلي النخب السياسية بالشجاعة الأخلاقية والالتزام الديمقراطي الكافي و الواجب لاحترام أحكام القضاء؟
قد يعتقد بعض السياسيين أن تنفيذ حكم قضائي ضدهم يضعف من موقعهم او ينهي حياتهم السياسية أو يضر بصورتهم أمام الرأي العام، غير أن الواقع عكس ذلك. فالتحلي بشجــاعة الامتثال لحكم قضائي، خاصة حين يتعلق الأمر بكل ماهو سياسي حزبي، هو في حد ذاته تعبير عن قوة الشخصية السياسية ونضجها، وعن وعي عميق بدور المؤسسات الحزبية في بناء النظام الديمقراطي حتى ولو كانت هذه الاحزاب تعاني العلل و الاعطاب التنظيمية.
الرفض أو التماطل في تنفيذ الأحكام الإدارية لا يعد فقط خرقا للقانون، بل يمس بجوهر الشرعية المؤسساتية. فالجوء إلى القضاء ثقة في عدالة الدولة ونزاهة مؤسساتها. وإذا رأينا أن أحكام القضاء ترفض( بضم التاء) أو يماطل ( بضم الياء) في تنفيذها بدرائع واهية ( عدم التوصل...عدم وجود المتضرر...خاص لي يحرك مسطرة العزل.....نتسناو الحزب..) عندها تتزعزع هذه الثقة، ويتعزز معها الإحساس بالغبن و يتسرب احساس اللاعدالة، ما يفتح الباب أمام التأويلات الخاطئة خصوصا في المجتمعات حيث تنتشر نسب مرتفعة للأمية.
فالمتتبع العادي فاش كيشوف حكم قضائي منشور في مواقع التواصل الاجتماعي و الجرائد و مكتوب فيه بالخط العريض ( عزل المنتخب الفلاني... اسقاط اللائحة الفلانية ...حكم نهائي) و يجد المعنيين بالأحكام يمارسون مهامهم احيانا لغاية نهاية فترة انتخابهم، يتسرب - الى المواطن البسيط- احساس بموجهين:
الاول التشكيك في صحة خبر العزل و الحـكم القضائي، و هنا الأمر اهون و أخــف الأضرار ان نلصق التهمة بوسائط نشر الخبر تحت طائلة ( خبر كاذب) . أما الموجه الثاني و هو الأخطر أن يتسلل ألى المواطن البسيط ما معناه و مفاده ان حتى أحكام القضاء لا يمكن ان تحدث أي أثر أو تغيير في الأوضاع السياسية و الحزبية، خصوصا المعيب و الغير دستوري منها. و هنا يكون السياسي قد ساهم عمدا في إضعاف مناعة الدولة في مواجهة الأعطاب السياسية.
ايها الســـادة المنتخــبون المحترمون الشجاعة السياسية تكمن في القدرة على مراجعة القرارات، وتصحيح المسارات حين يثبت القضاء أنها كانت خاطئة أو معيبة. فالسياسي الذي يمتثل لقرار المحكمة لا يعد مهزوما، بل يقدم نموذجا يحتذى به في احترام القانون حتى ولو ظل معتقدا بأن قرارات حزبه كانت خاطئة أو ظالمة أو مقصودة أو مرتب لها في إطار الصراعات الداخلية داخل الأحزاب. الأمر الثاني هو أن الممتثل لأحكام القضاء يكرس ثقافة مؤسساتية تؤمن بأن لا أحد فوق المساءلة، مهما علا منصبه أو اتسعت صلاحياته.
الأخلاق السياسية و الشجاعة السياسية هي البوابة المثلى لترسيخ ثقافة الامتثال الطوعي لأحكام القضاء الإداري و مؤشر على تطور الوعي الديمقراطي، وعلى نضج الممارسة السياسية في الدولة. وهذا في تقديري الشخصي لن يتحقق إلا عندما يدرك السياسيون أن القانون فوق الجميع، وأن الشجاعة الحقيقية لا تكمن في التشبث بالمواقف
و بالكراسي و المناصب و المسؤوليات ، بل في احترام مؤسسات الدولة و تنفيذ أحكام القضاء. و نقطع مع أساليب تعطيل العدالة لحسابات سياسية أو إدارية أو اجندات بحسابات اخرى