الوضع الليلي
Image
  • 26/07/2025
نظام المؤشر يعاقَب الفقراء المغاربة مرتين: مرة لأنهم فقراء ، ومرة لأنهم لا يحصلون على نقاط الفقر الكافية..

نظام المؤشر يعاقَب الفقراء المغاربة مرتين: مرة لأنهم فقراء ، ومرة لأنهم لا يحصلون على نقاط الفقر الكافية..

حين يتحول  «المؤشر الاجتماعي» إلى عائق 

أقـــرت الحكـــومة المغربية نظاما يفترض أن يُمكن الفئات الهشة من الولوج إلى التغطية الصحية الإجبارية ، وكذا الاستفادة من الدعم المباشر للأسر في وضعية هشاشة. إلا أن هذا النظام يشترط بلوغ حد أدنى من النقاط في ما يعرف بـ»المؤشر الاجتماعي» (الذي يقاس بعدة معايير: السكن، عدد الأفراد، وضعية الأبناء، الملكية، نمط العيش....

لكن شرط بلــــوغ 9.32 نقطة للحصول على التغطية الصحية المجانية و9.74 نقطة للحصول على الدعم المالي، أصبح كابوسا حقيقيا لآلاف المواطنين. فئات واسعة لا تصل إلى هذا السقف التقني، فتُقصى من المنظومتين معا، وكأنما يعاقَب الفقير مرتين: مرة لأنه فقير، ومرة لأنه لا «يحصل على نقاط الفقر الكافية»!

 

انقطاع الدعم بعد أشهر

 من الاستفادة

 

في حالات عديدة، حصلت أسر على الدعم المالي دون التغطية الصحية، لكن ما إن تمر أشهر قليلة، حتى يقطع عنها هذا الدعم، بدعوى أنها لم تؤد واجبات التغطية الصحية الإجبارية المفارقة هنا أن الدولة، عوض أن تمولها بشكل تضامني، كما تنص عليه فلسفة النظـــام، تعاملهم كمســـاهمين مخلين بالتزاماتهم، وتلزمهم بأداء مساهمات لا قدرة لهم على تحملها.

 حالات صادمة: معاقون، 

مرضى، وأرامل بلا تغطية

 

عائشة (74 سنة)، أرمــــلة تعيش في مكناس، لا تملك أي تقاعد، ولا أبناء يعيلونها. حين توجـــهت إلى الصندوق الوطني للتأمين الصحي CNSS لتسوية وضعيتها، قيل لها إن «المؤشر الاجتماعي» لا يسمح لها بالاستفادة من AMO المجاني، ويجب أن تؤدي  اشــــتراك شهري تحت مسمى امو الشامل. كيف لأرملة تعيش على الإحسان أن تؤدي اشتراك شهري كما لو أنها موظفة  أو مستخدمة أو أجيرة ؟

سليمان  (81 سنة)، كفيف ويعيش بمفرده في ضواحي تازة. حين مرض بداء السكري، وجد نفسه أمام مصاريف الدواء والتحاليل والمراقبة الطبية، دون أي تغطية صحية. يقول: «لا أحتاج إلى صدقة، بل فقط حقي في العلاج كإنسان ومواطن».

 

الإطار القانوني:

 بين الدستور وواقع التطبيق

 

ينص الفصل 31 من الدستور المغربي على أن «تعمل السلطات العمومية والسلطات المحلية على توفير الظروف الملائمة لتفعيل الحقوق التالية: الحق في الحصـــول على العـــلاج والرعاية الصحية، والحق في السكن اللائق، والحق في التعليم، والحق في الشغل، والحق في الولوج إلى الماء والكهرباء، والحق في بيئة سليمة، والحق في التنمية المستدامة».

وبعبارة أخرى، يلتزم الدستور المغربي السلطات العمــومية بتوفير هذه الحقوق الأســاسية للمواطـــنين، والسعي لتيسير سبل الوصول إليها. ويعد هذا الفصل من أهم الفصول التي تؤكد على البعـــد الاجتماعي للدولة المغربية.

القانون رقم 27.22 يتعلق بالحماية الاجتماعية، وهو يهدف إلى تغيير وتتميم القانون رقم 65.00 بمثابة مدونة التغطية الصحية الأساسية. يرتكز هذا القانون على مبادئ أساسية، منها: أجرأة ورش الحماية الاجتماعية، وإصــــلاح المنظومة الصحية، والنقل التلقائي للفئات المستفيدة من نظام المساعدة الطبية (AMO) إلى نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، وحذف نظام المساعدة الطبية وتعويضه بنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، مع عدم المساس بالمكتسبات المخولة للفئات المستفيدة من نظام المساعدة الطبية

لكـــن على أرض الواقــــع، يتحول هذا الحق الدستوري إلى معركة بيروقراطية، تحكــــمها خوارزميات «المؤشر الاجتماعي»، وتقــصي من لا يتطابق مع معاييرها الجافة، حتى لو كان محتاجا، مريضا أو معاقا.

 

الخبراء يقرعون جرس الإنذار

 

يرى الباحثون في السياسات الاجتماعية،  ان المؤشر الاجتماعي في صيغته الحالية غير منصف، ولا يعكس حقيقة الفقر والهشــاشة، لأنه يعتمد على معطيات سطحية أحيــانا (الويفي.. قروض صغيرة... تعبئة...)، ولا يأخذ بعين الاعـــتبار العـوامل الصحـــية أو النفســية أو غياب التضامن الأسري 

و ذهب البعض الى  أن الدولة مطالبة بإدخال تعديلات عاجلة، تمكن من إدراج الحالات الإنسانية والاستثنائية ضمن الفئات المستفيدة، خــــارج منطق التنقيط

 

ما السبيل إلى الحل؟

 

  1. مراجعةالمؤشرالاجتماعي، عبر إدماج بعد «الوضعية الصحية» و»العزلة الاجتــماعية» في تقييم الاستحقاق.
  2. إحــداثمسطرةاستثنـــائية للطعن في قرارات الحرمان من AMO أو الدعم، خاصة بالنسبة للمسنين والمعاقين.
  3. إعـــادةالنـــظرفي التغــطية الصحية المجانية للفئات التي تعيش دون أي دخل أو تقاعد، لتكون مؤهلة تلقائيا دون شرط المؤشر.
  4. إقــرارنظامتضــامني حقيقي يشمل الدعم الصحي والغذائي والسكني للأشخـــاص في وضعية هشاشة قصوى.

 

لا مؤشر فوق الحق

 

المغاربة لا يطلبون المستحيل. فقط «الحق في العـــلاج»، كمـــا يكفله الدســتور. إن تحويل الفئات الأكثر هشاشة إلى أرقــام في مؤشرات باردة، يحول السياسات الاجتماعية إلى مجـــرد واجهات، ويعمق جراح التهمــــيش  و يحـــول «المــؤشر الاجتماعي» إلى لعنة جماعية.

 

بوشتى الركراكي