الوضع الليلي
Image
  • 29/07/2025
مكناس تحتفي بعيساوتها: من ضريح  الشيخ الكامل إلى ساحة الهديم... المقامات تعانق الإيقاعات

مكناس تحتفي بعيساوتها: من ضريح الشيخ الكامل إلى ساحة الهديم... المقامات تعانق الإيقاعات

هبة الله- سايس بريس: تعيش مدينة مكناس هذه الأيام على إيقاع الروح والتراث، مع انطلاق فعاليات الدورة الخامسة من مهرجان "عيساوة: مقامات وإيقاعات عالمية"، التي تمتد من 23 إلى 26 يوليوز 2025، في تظاهرة روحية وفنية تعكس غنى الموروث المغربي اللامادي، وتعيد الاعتبار لفن عيساوة كهوية وروح تتجدد في الزمان والمكان.

افتتحت التظاهرة الثقافية بزيارة رمزية لضريح الشيخ الكامل الهادي بنعيسى، مؤسس الطريقة العيساوية وأحد أبرز أعلام التصوف المغربي، في مشهد روحاني امتزجت فيه تلاوة القرآن والذكر والأمداح، في لحظة استحضار للمسار الروحي الذي ميز المدينة عبر قرون. وقد شارك في هذه الزيارة ضيوف المهرجان وممثلون عن الفرق العيساوية ومهتمون بالتراث الصوفي.

وفي مساء اليوم ذاته، احتضنت ساحة الهديم التاريخية الانطلاقة الرسمية للمهرجان، بحضور وازن جمع بين ممثلي السلطات والمنتخبين،  عبد الغني الصبار عامل عمالة مكناس ووالي جهة فاس – مكناس بالنيابة، وعبد الواحد الأنصاري رئيس مجلس الجهة ، وعباس الومغاري رئيس جماعة مكناس، وهشام القايد رئيس المجلس الإقليمي، إلى جانب شخصيات امنية و عسكرية و فنية وثقافية وسياسية..

اللافت للنظر و رغم مشاركة أسماء فنية شهيرة مثل الفنانة بلقيس والفنان رضوان الأسمر، فقد توجهت أنظار الجماهير الغفيرة، التي حجت إلى ساحة الهديم، إلى العروض العيساوية، التي اعتبرت لحظات الذروة في الليلة الأولى للمهرجان.

فمن الطائفة العيساوية الأصالة لفن التراث برئاسة المقدم سفيان الحكيم، إلى الطائفة العيساوية الفيلالية برئاسة خالد المرابط، وطائفة إخوان عيساوة برئاسة عبد الصمد ، مرورا بعدد من الفرق التي جسدت بتلقائية عميقة عبقرية الفن العيساوي، تفاعل الحضور بحماس مع البنادير والإيقاعات والطقوس المرتبطة بالذكر والمديح، في مشهد أعاد للمكان روحاً تكاد تكون منسية.

لا تقتصر فعاليات الدورة الخامسة على الفقرات الفنية، بل تتوزع بين لقاءات فكرية ومعارض موضوعاتية وورشات تربوية لفائدة الأطفال وكرنفالات شعبية، بما يضمن إشراك جميع فئات المجتمع في عملية إعادة بناء الذاكرة الجماعية للمدينة، خصوصاً من خلال الانفتاح على الجيل الجديد.

ويشارك في دورة هذه السنة أزيد من 30 فرقة عيساوية من  عدة مدن مغربية ، ما يعكس البعد الوطني للطريقة العيساوية وانتشارها الواسع داخل المغرب وخارجه.

تحاول مكناس، من خلال هذا المهرجان، استعادة مكانتها كمركز للروحانيات والتراث الحي، في وقت تسعى فيه مدن مغربية أخرى لإعادة ترميم ذاكرتها الرمزية. ففنون مثل العيساوي ليست مجرد طقوس للفرجة، بل تحمل في طياتها شيفرة ثقافية وروحية لا يمكن فهم المدينة دونها.

وإذا كان المهرجان يراهن على إبراز قوة هذا الفن الصوفي باعتباره أداة للتسامح والأمن الروحي، فإن النجاح الجماهيري والرمزي الذي حققه إلى الآن يؤشر على عطش جماعي لهذا النوع من الفعاليات التي تمتح من الذات وتعبر عنها في آن.

مكناس لا تحتفي التراث  العيساوي فقط، بل تحتفي بذاتها، بتاريخها، بروحها. ومن ساحة الهديم إلى ضريح الكامل، تعود المدينة إلى أصلها، إلى إيقاعها الخاص، إلى المكان الذي كانت فيه يوماً عاصمة للروح، ومصدراً للهوية. هو مهرجان في الظاهر، لكنه في العمق تمرين جماعي على استرجاع المعنى، واستدعاء الذاكرة لتكون وقود المستقبل.

عدسة المصور الصحفي حميد الغربي